لما كان التاريخ مرآة الأمم ، يعكس ماضيها، ويترجم حاضرها ، وتستلهم منخلاله مستقبلها، كان من الأهمية بمكان الاهتمام به، والحفاظ عليه، ونقلهإلى الأجيال نقلاً صحيحاً، بحيث يكون نبراساً وهادياً لهم في حاضرهمومستقبلهم . فالشعوب التي لا تاريخ لها لا وجود لها، إذ به قوام الأمم ،تحيى بوجوده وتموت بانعدامه .
ونظراً لأهمية التاريخ في حياةالأمم، فقد لجأ أعداء هذه الأمة - فيما لجؤوا إليه- إلى تاريخ هذه الأمة،لتفريق جمعها، وتشتيت أمرها، وتهوين شأنها، فأدخلوا فيه ما أفسد كثيراً منالحقائق، وقلب كثيراً من الوقائع، وأقاموا تاريخاً يوافق أغراضهم، ويخدممآربهم، ويحقق ما يصبون إليه.
وهذا المقال سيكون بمثابة مدخل بسيطلهذا الموضوع نقصر القول فيه على بيان أهمية التاريخ في حياة الأمم عموماًوحياة المسلمين خصوصاً فنقول :
1- التاريخ يعين على معرفة المتعاصرين من الناس، ويسهم في تحديد الصواب من الخطأ حال تشابه الأسماء والاشتراك فيها.
2-التاريخ الموثق يُمكِّن من معرفة حقائق الأحداث والوقائع ومدى صدقها ، كماحصل في كتاب أشاعه اليهود أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط فيه الجزية عنأهل خيبر، وفيه شهادة معاوية و سعد بن معاذ ، وعند التحقيق والتدقيق يتبينلنا أن معاوية أسلم بعد الفتح، و سعد قد مات يوم بني قريظة، قبل خيبربسنتين، وبهذا نعلم عدم مصداقية هذا الخبر.
3- التاريخ يعين علىمعرفة تاريخ الرواة، من جهة وقت الطلب واللقاء، والرحلة في طلب العلم،والاختلاط والتغير، وسنة الوفاة، وحال الراوي من جهة الصدق والعدالة.
4- التاريخ له أهمية في معرفة الناسخ والمنسوخ، إذ عن طريقه، ومن خلاله يعلم الخبر المتقدم من المتأخر.
5- التاريخ تُعرف به الأحداث والوقائع وتاريخ وقوعها، وما صاحبها من تغيرات ومجريات.
6-التاريخ يعين على معرفة حال الأمم والشعوب، من حيث القوة والضعف، والعلموالجهل، والنشاط والركود، ونحو ذلك من صفات الأمم وأحوالها.
7-التاريخ الإسلامي صورة حية للواقع الذي طُبق فيه الإسلام، وبمعرفته نقفعلى الجوانب المشرقة في تاريخنا فنقتفي أثرها، ونقف أيضاً على الجوانبالسلبية فيه فنحاول تجنبها والابتعاد عنها.
8- التاريخ فيه عظات وعبر، وآيات ودلائل، قال تعالى: { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } (الأنعام:11).
9- التاريخ فيه استلهام للمستقبل على ضوء السنن الربانية الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تحابي أحدا.
10- التاريخ فيه شحذ للهمم، وبعث للروح من جديد، وتنافس في الخير والصلاح والعطاء.
11- التاريخ يبرز القدوات الصالحة التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، وتركت صفحات بيضاء ناصعة، لا تُنسى على مر الأيام والسنين.
12-ومن أهم ما تفيده دراسة التاريخ معرفة أخطاء السابقين، والحذر من المزالقالتي تم الوقوع فيها عبر التاريخ، أخذاً بالهدي النبوي فيما يرويه أبوهريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يلدغالمؤمن من جحر واحد مرتين ) متفق عليه.
تلك هي أبرز الجوانب التي تبين أهمية التاريخ ودراسته، سائلين الله التوفيق والسداد