رقم الحديث العشرون عن أبي مَسْعُودٍ عن عمرو الأَنْصَارِيّ البَدْرِيّ رضي اللهُ عنه قال : قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مما أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوةِ الأولى: إِذا لمْ تَسْتَحْي فاصْنَعْ ما شِئْتَ". رواه رواه البخاري.
أهميةالحديث:
إذا كان معنى الحياء امتناع النفس عن فعل ما يعاب، وانقباضها من فعلشيء أو تركه مخافة ما يعقبه من ذم، فإن الدعوة إلى التخلق به وملازمته إنما هي دعوةإلى الامتناع عن كل معصية وشر، وإلى جانب ذلك فإن الحياء خصلة من خصال الخير التييحرص عليها الناس، ويرون أن في التجرد عنها نقصاً وعيباً، كما أنه من كمال_الإيمانوتمامه.
مفردات الحديث:
"من كلام النبوة": مما اتفق عليه الأنبياء،ومما ندب إليه الأنبياء.
"فاصنع ما شئت": صيغة الأمر هنا: إما أن تكون علىمعنى التهديد والوعيد، والمعنى : إذا نُزِعَ منك الحياء فافعل ما شئت فإنك مجازىعليه. وإما أن تكون على معنى الإباحة، والمعنى : إذا أردت فعل شيء وكان مما لاتستحي من فعله أمام الله والناس فافعله.
معنى الحديث:
"فاصنع ماشئت". أمرٌ بمعنى التهديد والوعيد، فكأنه صلى الله عليه وسلم يقول: إذا لم يكن عندكحياء فاعمل ما شئت، فإن الله سيجازيك أشد الجزاء، وقد ورد مثل هذا الأمر في القرآنالكريم خطاباً للكفار {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40].
الحياءنوعان:
أحدهما الحياء الفطري: وهو ما كان خَلْقاً غير مكتسب، يرفع من يتصفبه إلى أَجَلِّ الأخلاق، التي يمنحها الله لعبد من عباده ويفطره عليها، والمفطورعلى الحياء يكف عن ارتكاب المعاصي والقبائح ودنيء الأخلاق، ولذا كان الحياء مصدرخير وشعبة من شعب الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: "الحياء شعبة من شعبالإيمان".
وثانيهما الحياء المكتسب: وهو ما كان مكتسباً من معرفة اللهومعرفة عظمته وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمه سبحانه بخائنة الأعين وما تخفيالصدور، والمسلم الذي يسعى في كسب وتحصيل هذا الحياء إنما يحقق في نفسه أعلى خصالالإيمان وأعلى درجات الإحسان.
وإذا خلت نفس الإنسان من الحياء المكتسب، وخلاقلبه من الحياء الفطري، لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح والدنيء من الأفعال،وأصبح كمن لا إيمان له من شياطين الإنس والجن.
ما يذم من الحياء: عندما يكونالحياء امتناع النفس عن القبائح والنقائص فإنه خُلُقٌ يُمدح في الإنسان، لأنه يكملالإيمان ولا يأتي إلا بخير، أما عندما يصبح الحياء زائداً عن حده المعقول فيصلبصاحبه إلى الاضطراب والتحير، وتنقبض نفسه عن فعل الشيء الذي لا ينبغي الاستحياءمنه، فإنه خلق يذم في الإنسان، لأنه حياء في غير موضعه، وخجل يحول دون تعلم العلموتحصيل الرزق، وقد قيل: حياء الرجل في غير موضعه ضعف. فإن الحياء الممدوح الذي يحثعلى فعل الجميل وترك القبيح، فأما الضعف والعجز الذي يوجب التقصير في شيء من حقوقالله أو حقوق عباده فليس هو من الحياء، فإنما هو ضعف وخَوَر.
تتزين المرأةالمسلمة بالحياء، وتشارك الرجل في إعمار الأرض وتربية الأجيال بطهارة الفطرةالأنثوية السليمة، فالفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم،ولكنها لطهارتها واستقامتها لا تضطرب، الاضطرابَ الذي يطمع ويغري ويهيج، إنما تتحدثفي وضوح بالقدر المطلوب ولا تزيد.
أما المرأة التي توصف في زماننابالاسترجال والسفور والتبرج والاختلاط بالرجال الأجانب من غير ضرورة شرعية، فهذه لمتَتَرَبَّ في مدرسة القرآن والإسلام، واستبدلت بالحياء وطاعت الله تعالى وقاحةومعصية وفجوراً.
ثمرات الحياء: من ثمرات الحياء العفة، فمن اتصف بالحياء حتىغلب على جميع أفعاله، كان عفيفاً بالطبع لا بالاختيار.
واجب الآباءوالمربين: إن واجب الآباء والمربين في المجتمع المسلم أن يعملوا جاهدين على إحياءخلق الحياء، وأن يسلكوا في سبيل ذلك الطرق التربوية المدروسة، والتي تشمل مراقبةالسلوك والأعمال الصادرة من الأطفال وتقويم ما يتناقض مع فضيلة الحياء، واختيارالرفاق الصالحين وإبعاد رفاق السوء، والتوجيه إلى اختيار الأطفال للكتب المفيدة،وإبعادهم عن مفاسد الأفلام والمسرحيات الهزلية، والكلمات السوقية.
ما يستفادمن الحديث : يرشدنا إلى أن الحياء خير كله، ومن كثر حياؤه كثر خيره، ومن قل حياؤهقل خيره. لا حياء في تعليم أحكام الدين، ولا حياء في طلب الحق